فصل: تفسير الآيات (21- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.سورة الطور:

هي تسع وأربعون آية.
وقيل: ثمان وأربعون.
وهي مكية.
قال القرطبي: في قول الجميع.
وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت الطور بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور.
وأخرج البخاري وغيره عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جنب البيت بالطور وكتاب مسطور.

.تفسير الآيات (1- 20):

{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)}
قوله: {والطور} قال الجوهري: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى. قال مجاهد، والسديّ: الطور بالسريانية الجبل، والمراد به طور سيناء. قال مقاتل بن حيان: هما طوران، يقال لأحدهما: طور سيناء، وللآخر: طور زيتا؛ لأنهما ينبتان التين والزيتون. وقيل: هو جبل مدين، وقيل: إن الطور كل جبل ينبت، وما لا ينبت فليس بطور، أقسم الله سبحانه بهذا الجبل تشريفاً له وتكريماً. {وكتاب مُّسْطُورٍ} المسطور: المكتوب، والمراد بالكتاب: القرآن، وقيل: هو اللوح المحفوظ، وقيل: جميع الكتب المنزلة، وقيل: ألواح موسى، وقيل: ما تكتبه الحفظة، قاله الفراء، وغيره، ومثله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً} [الإسراء: 13] وقوله: {وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} [التكوير: 10] {فِى رَقّ مَّنْشُورٍ} متعلق بمسطور، أي: مكتوب في رقّ. قرأ الجمهور {في رق} بفتح الراء، وقرأ أبو السماك بكسرها. قال الجوهري: الرقّ بالفتح ما يكتب فيه، وهو جلد رقيق، ومنه قوله تعالى: {فِى رَقّ مَّنْشُورٍ} قال المبرد: الرقّ ما رقّ من الجلد ليكتب فيه، والمنشور: المبسوط. قال أبو عبيدة: وجمعه رقوق، ومن هذا قول المتلمس:
فكأنما هي من تقادم عهدها ** رقّ أتيح كتابها مسطور

وأما الرقّ بالكسر، فهو المملوك، يقال: عبد رقّ، وعبد مرقوق. {والبيت المعمور} في السماء السابعة. وقيل: في سماء الدنيا، وقيل: هو الكعبة، فعلى القولين الأوّلين يكون وصفه بالعمارة باعتبار من يدخل إليه من الملائكة، ويعبد الله فيه. وعلى القول الثالث، يكون وصفه بالعمارة حقيقة أو مجازاً باعتبار كثرة من يتعبد فيه من بني آدم {والسقف المرفوع} يعني: السماء، سماها سقفاً لكونها كالسقف للأرض، ومنه قوله: {وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَّحْفُوظاً} [الأنبياء: 32] وقيل: هو العرش {والبحر المسجور} أي: الموقد، من السجر: وهو إيقاد النار في التنور، ومنه قوله: {وَإِذَا البحار سُجّرَتْ} [التكوير: 6] وقد روي أن البحار تسجر يوم القيامة فتكون ناراً، وقيل: المسجور: المملوء، قيل: إنه من أسماء الأضداد، يقال: بحر مسجور أي: مملوء، وبحر مسجور، أي: فارغ، وقيل: المسجور: الممسوك، ومنه ساجور الكلب لأنه يمسكه.
وقال أبو العالية: المسجور: الذي ذهب ماؤه، وقيل: المسجور: المفجور، ومنه: {وَإِذَا البحار فُجّرَتْ} [الإنفطار: 3] وقال الربيع بن أنس: هو الذي يختلط فيه العذب بالمالح. والأوّل أولى، وبه قال مجاهد، والضحاك، ومحمد بن كعب، والأخفش، وغيرهم. {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} هذا جواب القسم، أي: كائن لا محالة لمن يستحقه {مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ} يدفعه ويرده عن أهل النار، وهذه الجملة خبر ثان لإن، أو صفة لواقع، و{من} مزيدة للتأكيد. ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها أنها عظيمة دالة على كمال القدرة الربانية.
{يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْراً} العامل في الظرف {لواقع}، أي: إنه لواقع في هذا اليوم، ويجوز أن يكون العامل فيه {دافع}. والمور: الاضطراب والحركة. قال أهل اللغة: مار الشيء يمور موراً: إذا تحرك وجاء وذهب، قاله الأخفش، وأبو عبيدة: وأنشدا بيت الأعشى:
كأن مشيها من بيت جارتها ** مشي السحابة لا ريث ولا عجل

وليس في البيت ما يدلّ على ما قالاه إلاّ إذا كانت هذه المشية المذكورة في البيت يطلق المور عليها لغة.
وقال الضحاك: يموج بعضها في بعض، وقال مجاهد: تدور دوراً، وقيل: تجرى جرياً، ومنه قول الشاعر:
وما زالت القتلى تمور دماؤها ** بدجلة حتى ماء دجلة أشكل

ويطلق المور على الموج، ومنه: ناقة موارة اليد، أي: سريعة تموج في مشيها موجاً، ومعنى الآية: أن العذاب يقع بالعصاة، ولا يدفعه عنهم دافع في هذا اليوم الذي تكون فيه السماء هكذا، وهو يوم القيامة. وقيل: إن السماء ها هنا الفلك، وموره: اضطراب نظمه واختلاف سيره. {وَتَسِيرُ الجبال سَيْراً} أي: تزول عن أماكنها، وتسير عن مواضعها كسير السحاب، وتكون هباءً منبثاً، قيل: ووجه تأكيد الفعلين بالمصدر الدالة على غرابتها، وخروجهما عن المعهود، وقد تقدّم تفسير مثل هذا في سورة الكهف. {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} ويل: كلمة تقال للهالك، واسم واد في جهنم، وإنما دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة، أي: إذا وقع ما ذكر من مور السماء، وسير الجبال فويل لهم. ثم وصف المكذبين بقوله: {الذين هُمْ في خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أي: في تردّد في الباطل، واندفاع فيه يلهون لا يذكرون حساباً، ولا يخافون عقاباً. والمعنى: أنهم يخوضون في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والاستهزاء، وقيل: يخوضون في أسباب الدنيا، ويعرضون عن الآخرة. {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} الدعّ: الدفع بعنف وجفوة، يقال: دععته أدعه دعًّا، أي: دفعته، والمعنى: أنهم يدفعون إلى النار دفعاً عنيفاً شديداً. قال مقاتل: تغلّ أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعون إلى جهنم دفعاً على وجوههم. قرأ الجمهور بفتح الدال وتشديد العين. وقرأ عليّ والسلمي، وأبو رجاء، وزيد بن عليّ، وابن السميفع بسكون الدال وتخفيف العين مفتوحة أي: يدعون إلى النار من الدعاء. ويوم إما بدل من {يوم تمور}، أو متعلق بالقول المقدر في الجملة التي بعد هذه، وهي {هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} أي: يقال لهم ذلك يوم يدعون إلى نار جهنم دعًّا، أي: هذه النار التي تشاهدونها هي النار التي كنتم تكذبون بها في الدنيا، والقائل لهم بهذه المقالة هم خزنة النار، ثم وبخهم سبحانه، أو أمر ملائكته بتوبيخهم، فقال: {أَفَسِحْرٌ هذا} الذي ترون وتشاهدون، كما كنتم تقولون لرسل الله المرسلة، ولكتبه المنزلة، وقدّم الخبر هنا على المبتدأ لأنه الذي وقع الاستفهام عنه، وتوجه التوبيخ إليه {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} أي: أم أنتم عمي عن هذا، كما كنتم عمياً عن الحقّ في الدنيا {اصلوها فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} أي: إذا لم يمكنكم إنكارها، وتحققتم أن ذلك ليس بسحر، ولم يكن في أبصاركم خلل، فالآن ادخلوها وقاسوا شدّتها، فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا، وافعلوا ما شئتم، فالأمران {سَوَاء عَلَيْكُمْ} في عدم النفع، وقيل: أيضاً تقول لهم الملائكة هذا القول، {وَسَوَآء} خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمران سواء، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، أي: سواء عليكم الصبر وعدمه، وجملة: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} تعليل للاستواء، فإن الجزاء بالعمل إذا كان واقعاً حتماً كان الصبر، وعدمه سواء.
{إِنَّ المتقين في جنات وَنَعِيمٍ} لما فرغ سبحانه من ذكر حال المجرمين ذكر حال المتقين، وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة، ويجوز أن تكون من جملة ما يقال للكفار زيادة في غمهم وحسرتهم، والتنوين في {جنات وَنَعِيمٍ} للتفخيم {فاكهين بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} يقال: رجل فاكه، أي: ذو فاكهة، كما قيل: لابن وتامر. والمعنى: أنهم ذوو فاكهة من فواكه الجنة، وقيل: ذوو نعمة وتلذّذ بما صاروا فيه مما أعطاهم الله عزّ وجلّ مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقد تقدّم بيان معنى هذا. قرأ الجمهور: {فاكهين} بالألف والنصب على الحال. وقرأ خالد: {فاكهون} بالرفع على أنه خبر بعد خبر. وقرأ ابن عباس {فكهين} بغير ألف، والفكه: طيب النفس، كما تقدم في الدخان، ويقال: للأشر والبطر، ولا يناسب التفسير به هنا {ووقاهم رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم} معطوف على آتاهم، أو على خبر إنّ، أو الجملة في محل نصب على الحال بإضمار قد. {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً} أي: يقال لهم ذلك، والهنيء: ما لا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر. قال الزجاج: أي: ليهنئكم ما صرتم إليه هناء، والمعنى: كلوا طعاماً هنيئًا، واشربوا شراباً هنيئًا، وقد تقدم تفسير هنيئًا في سورة النساء، وقيل: معنى {هنيئاً}: أنكم لا تموتون. {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} انتصابه على الحال من فاعل كلوا، أو من مفعول آتاهم، أو من مفعول وقاهم، أو من الضمير المستكنّ في الظرف، أو من الضمير في {فاكهين}. قرأ الجمهور: {على سرر} بضم الراء الأولى. وقرأ أبو السماك بفتحها، والسرر: جمع سرير. والمصفوفة المتصل بعضها ببعض حتى تصير صفاً {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} أي: قرناهم بها. قال يونس بن حبيب: تقول العرب: زوّجته امرأة، وتزوّجت بامرأة، وليس من كلام العرب زوّجته بامرأة. قال: وقول الله تعالى: {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} أي: قرناهم بهنّ.
وقال الفرّاء: زوّجته بامرأة، لغة أزدشنوءة، وقد تقدم تفسير الحور العين في سورة الدخان. قرأ الجمهور: {بحور عين} من غير إضافة. وقرأ عكرمة بإضافة الحور إلى العين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس: {والطور} قال: جبل.
وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطور جبل من جبال الجنة» وكثير ضعيف جدًّا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {فِى رَقّ مَّنْشُورٍ} قال: في الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيت المعمور في السماء السابعة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة»، وفي الصحيحين وغيرهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء بعد مجاوزته إلى السماء السابعة: «ثم رفع إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه».
وأخرج عبد الّرزّاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل أن ابن الكوّاء سأل علياً عن البيت المعمور فقال: ذلك الضراح، بيت فوق سبع سموات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه أبداً إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير نحوه عن ابن عباس.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر ورفعه، قال: إن البيت المعمور، لجيال الكعبة لو سقط منه شيء لسقط عليها، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً، ثم لا يعودون إليه.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه، وضعف إسناده السيوطي.
وأخرج ابن راهويه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {والسقف المرفوع} قال: السماء.
وأخرج عبد الرّزّاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {والبحر المسجور} قال: بحر في السماء تحت العرش.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: المسجور: المحبوس.
وأخرج ابن المنذر عنه قال: المسجور: المرسل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً {يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْراً} قال: تحرك، وفي قوله: {يَوْمَ يُدَعُّونَ} قال: يدفعون.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضاً {يوم يدعون إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} قال: يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً} أي: لا تموتون فيها، فعندها قالوا: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الاولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات: 58، 59].

.تفسير الآيات (21- 34):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)}
لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة على العموم ذكر حال طائفة منهم على الخصوص، فقال: {والذين ءامَنُواْ واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم بإيمان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} والموصول مبتدأ، وخبره {أَلْحَقْنَا بِهِمْ} ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدّر، أي: وأكرمنا الذين آمنوا، ويكون ألحقنا مفسراً لهذا الفعل المقدّر. قرأ الجمهور: {واتبعتهم} بإسناد الفعل إلى الذرّية. وقرأ أبو عمرو {أتبعناهم} بإسناد الفعل إلى المتكلم، كقوله: {ألحقنا}. وقرأ الجمهور: {ذرّيتهم} بالإفراد. وقرأ ابن عامر، وأبو عمرو، ويعقوب بالجمع، إلاّ أن أبا عمرو قرأ بالنصب على المفعولية لكونه قرأ {وأتبعناهم}، ورويت قراءة الجمع هذه عن نافع، والمشهور عنه كقراءة الجمهور. وقرأ الجمهور: {ألحقنا بهم ذرّيتهم} بالإفراد. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو، ويعقوب على الجمع، وجملة: {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} معطوف على {آمنوا} أو معترضة، و{بإيمان} متعلق بالاتباع، ومعنى هذه الآية: أن الله سبحانه يرفع ذرّية المؤمن إليه، وإن كانوا دونه في العمل؛ لتقر عينه، وتطيب نفسه بشرط أن يكونوا مؤمنين، فيختصّ ذلك بمن يتصف بالإيمان من الذرّية وهم البالغون دون الصغار، فإنهم وإن كانوا لاحقين بآبائهم، فبدليل آخر غير هذه الآية. وقيل: إن الذرّية تطلق على الكبار والصغار، كما هو المعنى اللغوي، فيلحق بالآباء المؤمنين صغار ذرّيتهم وكبارهم، ويكون قوله: {بإيمان} في محل نصب على الحال، أي: بإيمان من الآباء. وقيل: إن الضمير في {بِهِمُ} راجع إلى الذرّية المذكورة أوّلاً، أي: ألحقنا بالذرّية المتبعة لآبائهم بإيمان ذرّيتهم. وقيل: المراد بالذين آمنوا: المهاجرون والأنصار فقط، وظاهر الآية العموم، ولا يوجب تخصيصها بالمهاجرين والأنصار كونهم السبب في نزولها إن صحّ ذلك، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب {وَمَا ألتناهم مّنْ عَمَلِهِم مّن شَئ} قرأ الجمهور بفتح اللام من: {ألتنا} وقرأ ابن كثير بكسرها، أي: وما نقصنا الآباء بإلحاق ذرّيتهم بهم من ثواب أعمالهم شيئًا، فضمير المفعول عائد إلى الذين آمنوا. وقيل: المعنى: وما نقصنا الذرية من أعمالهم شيئًا لقصر أعمارهم، والأول أولى، وقد قدمنا تحقيق معنى لاته، وألاته في سورة الحجرات. وقرأ ابن هرمز {آلتناهم} بالمدّ، وهو لغة. قال في الصحاح: يقال: ما آلته من عمله شيئًا، أي: ما نقصه {كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} رهين بمعنى مرهون، والظاهر أنه عامّ، وأن كل إنسان مرتهن بعمله، فإن قام به على الوجه الذي أمره الله به فكه، وإلاّ أهلكه. وقيل: هو بمعنى راهن، والمعنى: كلّ امرئ بما كسب دائم ثابت. وقيل: هذا خاصّ بالكفار لقوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أصحاب اليمين} [المدثر: 38، 39]. ثم ذكر سبحانه ما أمدّهم به من الخير، فقال: {وأمددناهم بفاكهة وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} أي: زدناهم على ما كان لهم من النعيم بفاكهة متنوّعة، ولحم من أنواع اللحمان مما تشتهيه أنفسهم، ويستطيبونه {يتنازعون فِيهَا كَأْساً} أي: يتعاطون ويتناولون كأساً، والكأس: إناء الخمر، ويطلق على كل إناء مملوء من خمر، أو غيره، فإذا فرغ لم يسم كأساً {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} قال الزجاج: لا يجري بينهم ما يلغي، ولا ما فيه إثم، كما يجري بين من يشرب الخمر في الدنيا، والتأثيم تفعيل من الإثم، والضمير في: {فِيهَا} راجع إلى الكأس، وقيل: لا لغو فيها، أي: في الجنة، ولا يجري فيها ما فيه إثم، والأوّل أولى.
قال ابن قتيبة: لا تذهب بعقولهم فيلغوا، كما يكون من خمر الدنيا، ولا يكون منهم ما يؤثمهم.
وقال الضحاك: لا تأثيم أي: لا كذب. قرأ الجمهور: {لا لغو فيها ولا تأثيم} بالرفع، والتنوين فيهما. وقرأ ابن كثير، وابن محيصن بفتحهما من غير تنوين. قال قتادة: اللغو: الباطل.
وقال مقاتل بن حيان: لا فضول فيها.
وقال سعيد بن المسيب: لا رفث فيها.
وقال ابن زيد: لا سباب ولا تخاصم فيها. والجملة في محل نصب على الحال صفة ل {كأساً} {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ} أي: يطوف عليهم بالكأس، والفواكه، والطعام، وغير ذلك مماليك لهم، وقيل: أولادهم {كَأَنَّهُمْ} في الحسن والبهاء {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} أي: مستور مصون في الصدف لم تمسه الأيدي. قال الكسائي: كننت الشيء: سترته وصنته من الشمس، وأكننته: جعلته في الكنّ، ومنه كننت الجارية، وأكننتها فهي مكنونة. {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أي: يسأل بعضهم بعضاً في الجنة عن حاله، وما كان فيه من تعب الدنيا وخوف العاقبة، فيحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهمّ، وما كانوا فيه من الكد، والنكد بطلب المعاش، وتحصيل ما لابد منه من الرّزق. وقيل: يقول بعضهم لبعض: بم صرتم في هذه المنزلة الرفيعة؟ وقيل: إن التساؤل بينهم عند البعث من القبور. والأوّل أولى، لدلالة السياق على أنهم قد صاروا في الجنة، وجملة {قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: ماذا قال بعضهم لبعض عند التساؤل؟ فقيل: قالوا: إنا كنا قبل، أي: قبل الآخرة، وذلك في الدنيا في أهلنا خائفين وجلين من عذاب الله، أو كنا خائفين من عصيان الله. {فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} بالمغفرة والرحمة، أو بالتوفيق لطاعته {ووقانا عَذَابَ السموم} يعني: عذاب جهنم، والسموم من أسماء جهنم، كذا قال الحسن، ومقاتل.
وقال الكلبي، وأبو عبيدة: هو عذاب النار.
وقال الزجاج: سموم جهنم: ما يوجد من حرّها. قال أبو عبيدة: السموم بالنهار، وقد يكون بالليل، والحرور بالليل، وقد يكون بالنهار، وقد يستعمل السموم في لفح البرد، وفي لفح الشمس، والحرّ أكثر، ومنه قول الشاعر:
اليوم يوم بارد سمومه ** من جزع اليوم فلا ألومه

وقيل: سميت الريح سموماً؛ لأنها تدخل المسام: {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} أي: نوحد الله ونعبده، أو نسأله أن يمنّ علينا بالمغفرة والرّحمة {إِنَّهُ هُوَ البر الرحيم} قرأ الجمهور بكسر الهمزة على الاستئناف، وقرأ نافع، والكسائي بفتحها، أي: لأنه. والبرّ: كثير الإحسان، وقيل: اللطيف، والرحيم: كثير الرحمة لعباده {فَذَكّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبّكَ بكاهن وَلاَ مَجْنُونٍ} أي: اثبت على ما أنت عليه من الوعظ والتذكير، والباء متعلقة بمحذوف هو حال، أي: ما أنت متلبساً بنعمة ربك التي أنعم بها عليك من رجاحة العقل والنبوّة بكاهن، ولا مجنون، وقيل: متعلقة بمحذوف يدل عليه الكلام، أي: ما أنت في حال إذكارك بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون، وقيل: الباء سببية متعلقة بمضمون الجملة المنفية، والمعنى: انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك، كما تقول: ما أنا بمعسر بحمد الله. وقيل: الباء للقسم متوسطة بين اسم {ما} وخبرها، والتقدير: ما أنت- ونعمة الله- بكاهن ولا مجنون، والكاهن: هو الذي يوهم أنه يعلم الغيب من دون وحي، أي: ليس ما تقوله كهانة، فإنك إنما تنطق بالوحي الذي أمرك الله بإبلاغه. والمقصود من الآية ردّ ما كان يقوله المشركون: إنه كاهن، أو مجنون. {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} {أم} هي المنقطعة، وقد تقدّم الخلاف هل هيّ مقدّرة ببل والهمزة، أو ببل وحدها؟ قال الخليل: هي هنا للاستفهام. قال سيبويه: خوطب العباد بما جرى في كلامهم. قال النحاس: يريد سيبويه أن {أم} في كلام العرب للخروج من حديث إلى حديث، ونتربص في محل رفع صفة لشاعر، وريب المنون: صروف الدهر، والمعنى: ننتظر به حوادث الأيام فيموت كما مات غيره، أو يهلك كما هلك من قبله، والمنون يكون بمعنى الدهر، ويكون بمعنى المنيّة. قال الأخفش: المعنى نتربص إلى ريب المنون، فحذف حرف الجرّ، كما تقول: قصدت زيداً، وقصدت إلى زيد، ومن هذا قول الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها ** تطلق يوماً أو يموت خليلها

وقول أبي ذؤيب الهذلي:
أمن المنون وريبها تتوجع ** والدهر ليس بمعتب من يجزع

قال الأصمعي: المنون واحد لا جمع له. قال الفرّاء: يكون واحداً وجمعاً.
وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له. ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم، فقال: {قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} أي: انتظروا موتي، أو هلاكي، فإني معكم من المتربصين لموتكم، أو هلاككم. قرأ الجمهور {نتربص} بإسناد الفعل إلى جماعة المتكلمين. وقرأ زيد بن عليّ على البناء للمفعول.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أحلامهم بهذا} أي: بل أتأمرهم عقولهم بهذا الكلام المتناقض، فإن الكاهن: هو المفرط في الفطنة والذكاء، والمجنون: هو ذاهب العقل فضلاً عن أن يكون له فطنة وذكاء. قال الواحدي: قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول، فأزرأ الله بحلومهم حين لم تثمر لهم معرفة الحقّ من الباطل {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أي: بل أطغوا وجاوزوا الحدّ في العناد، فقالوا ما قالوا، وهذه الإضرابات من شيء إلى شيء مع الاستفهام، كما هو مدلول {أم} المنقطعة، تدل على أن ما تعقبها أشنع مما تقدّمها، وأكثر جرأة وعناداً {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} أي: اختلق القرآن من جهة نفسه وافتعله، والتقوّل لا يستعمل إلاّ في الكذب في الغالب، وإن كان أصله تكلف القول، ومنه اقتال عليه، ويقال: اقتال عليه بمعنى: تحكم عليه، ومنه قول الشاعر:
ومنزلة في دار صدق وغبطة ** وما اقتال في حكم عليّ طبيب

ثم أضرب سبحانه عن قولهم: {تَقَوَّلَهُ} وانتقل إلى ما هو أشدّ شناعة عليهم فقال: {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} أي: سبب صدور هذه الأقوال المناقضة عنهم كونهم كفاراً لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم تحدّاهم سبحانه، وألزمهم الحجة فقال: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ} أي: مثل القرآن في نظمه، وحسن بيانه، وبديع أسلوبه {إِن كَانُواْ صادقين} فيما زعموا من قولهم: إن محمداً صلى الله عليه وسلم تقوّله، وجاء به من جهة نفسه مع أنه كلام عربيّ، وهم رؤوس العرب وفصحاؤهم، والممارسون لجميع الأوضاع العربية من نظم ونثر.
وقد أخرج سعيد بن منصور، وهناد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، والبيهقي عن ابن عباس قال: إن الله ليرفع ذرّية المؤمن معه في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل؛ لتقرّ به عينه. ثم قرأ: {والذين ءامَنُواْ واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} الآية.
وأخرجه البزار، وابن مردويه عنه مرفوعاً.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عنه أيضاً أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه، وزوجته، وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول: يا ربّ قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به»، وقرأ ابن عباس {والذين ءامَنُواْ واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} الآية.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار»، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذين ءامَنُواْ} الآية وإسناده هكذا. قال عبد الله بن أحمد: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا محمد بن فضيل، عن محمد بن عثمان، عن زاذان، عن عليّ بن أبي طالب قال: سألت خديجة النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما في النار»، فلما رأى الكراهة في وجهها قال: «لو رأيت مكانهما لأبغضتهما»، قالت: يا رسول الله فولديّ منك. قال: «في الجنة»، قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار»، ثم قرأ: {والذين ءامَنُواْ} الآية.
وقال الإمام أحمد في المسند: حدّثنا يزيد، حدّثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا ربّ من أين لي هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك» وإسناده صحيح.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، والحاكم عن ابن عباس: {وَمَا ألتناهم} قال: ما نقصناهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} يقول: باطل {وَلاَ تَأْثِيمٌ} يقول: كذب.
وأخرج البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان، فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا، فيتحدّثان، فيتكئ ذا، ويتكئ ذا، فيتحدّثان بما كانوا في الدنيا، فيقول أحدهما: يا فلان تدري أيّ يوم غفر الله لنا؟ يوم كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فغفر لنا».
وأخرج ابن المنذر عن عائشة قالت: لو فتح الله على أهل الأرض من عذاب السموم قدر الأنملة لأحرقت الأرض ومن عليها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِنَّهُ هُوَ البر} قال: اللطيف.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عنه أن قريشاً لما اجتمعوا إلى دار الندوة في أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احبسوه في وثاق، وتربصوا به المنون حتى يهلك، كما هلك من قبله من الشعراء: زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، فأنزل الله في ذلك: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {رَيْبَ المنون} قال: الموت.